بريطانيا... المعقل الأوروبي للإخوان المسلمين

أُعتبرت المملكة المتحدة أرضاً خصبة لازدهار وتوسع جماعة الإخوان المسلمين لحد تسمية  لندن  من قبل خبراء المخابرات الفرنسية ومكافحة الإرهاب باسم "لندنستان"

بريطانيا... المعقل الأوروبي للإخوان المسلمين
القائم بأعمال المرشد العام للجماعة إبراهيم منير

ترجمة-السياق

كان إنشاء واجهات وفروع عمل دولية هي الاستراتيجية الرئيسية التي مكنت من الانتشار السرطاني لجماعة الإخوان المسلمين المُصنفة إرهابية لما يقرب من 93 عاماً منذ إنشائها في عام 1928. كانت بعض الدول أكثر ترحيباً بأنشطة الإخوان أكثر من غيرها، ولا يوجد بلد أكثر ترحيباً بنشاط هذه الجماعة من المملكة المتحدة.

مع ما يقدر بنحو 25000 إسلاموي مقيم في المملكة المتحدة، وفقاً لتصريحات منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كريترشوف في عام 2017 ، فإن وجود الإسلاميون في المملكة المتحدة أعلى من أي دولة أخرى في القارة الأوروبية لحد تسمية  لندن  من قبل خبراء المخابرات الفرنسية ومكافحة الإرهاب باسم "لندنستان".

أُعتبرت المملكة المتحدة أرضاً خصبة لازدهار وتوسع جماعة الإخوان المسلمين. وواجهت جماعة الإخوان المسلمين العديد من التحقيقات والتدقيق حول أنشطتها المتطرفة والإرهابية في بريطانيا والعالم كان آخرها  في عام 2020، لكن كان مصير هذه التحقيقات دائماً أن تظل حبيسة الأدراج على الرغم من علم الحكومة البريطانية واستخباراتها بهذه النشاطات. بحكم علاقات الحكومة البريطانية الممتدة إلى الأيام الأولى لتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لطالما آمنت بأهمية الحفاظ على العلاقات مع الجماعة الإرهابية كورقة مساومة سياسية لاستخدامها عند الحاجة.

تكمن الأهمية المتزايدة لفرع جماعة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة في حقيقة أن القائم بأعمال المرشد العام للجماعة إبراهيم منير ، 83 عاماً ، يقيم الآن فيها.  وقد  جاء تعيينه في أعقاب اعتقال المرشد العام السابق بالإنابة محمود عزت في مصر في 28 أغسطس /آب 2020. وكان الاعتقال قد شكل ضربة كبيرة لأنشطة الجماعة في البلاد وفي جميع أنحاء العالم نظراً لقدرات عزت التنظيمية، ما أجبر الجماعة على اختيار مرشد عام بالوكالة يقيم خارج مصر لأول مرة في تاريخها البالغ تسعة عقود.

ويعد إبراهيم منير الرجل الذي حافظ على الأنشطة  العالمية للإخوان المسلمين بعد الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي من السلطة بثورة 30 يونيو 2013 في مصر وحظر الجماعة في ديسمبر من نفس العام. وجاء الحظر بعد اعتقال مرشديه العامين السابق محمد بديع وسلفه مهدي عاكف. تبع الحظر في مصر حظراً في عدد من الدول العربية بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين في عام 2014 وفي الأردن في عام 2020. ونتيجة لذلك ، وضعت  جماعة الإخوان المسلمين في وضع حرج حيث  اتبع  الحظر عدد من  الطلبات والضغوط على المملكة المتحدة من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتحذو حذوها، لكن الحكومة والبرلمان البريطانيين اختارا طريق الإبقاء على خياراتهما مفتوحة والإبقاء على وجود الإخوان المسلمين في البلاد على الرغم من الهجمات الإرهابية المستمرة والراديكالية المنتشرة في البلاد طوال العقد الماضي.

عادةً ما يقدم منير نفسه على أنه الوجه الهادئ والدبلوماسي للجماعة في بريطانيا وتجنب الظهور. مع ذلك، فقد أقام علاقات مع العديد من الدوائر السياسية في المملكة المتحدة. وقال أمام لجنة برلمانية بريطانية حققت في جماعة الإخوان المسلمين، إن قوانين الشريعة التي تدافع عنها الجماعة  تتسامح مع المرتدين  رغم أن هذا القول يتعارض مع معتقدات وتعاليم مؤسس الإخوان حسن البنا. لم يستطع منير إخفاء طبيعته الحقيقية خلال التحقيقات التي أجرتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق، ديفيد كاميرون في عام 2014 بشأن أنشطة الإخوان المسلمين في البلاد وفي جميع أنحاء العالم. أطلق على التقرير اسم "تقرير جنكينز" حيث أشرف عليه السفير البريطاني السابق لدى المملكة العربية السعودية السير جون جنكينز. اجتمع جنكينز مع منير وأفادت الأنباء أن منير هدد باتخاذ الإجراءات القانونية إذا أدانت المراجعة جماعة الإخوان المسلمين أو صورتها بشكل سلبي.

علاوة على ذلك، هدد منير ضمنياً بالعنف والإرهاب في البلاد إذا أدت المراجعة إلى حظر الجماعة في المملكة المتحدة. وزعم أن المجتمعات المسلمة ستشعر بالتهميش وستفتح الأبواب أمام أعمال عنف محتملة.

يُشرف منير على بوابة (إخوان ويب) على الإنترنت ومقرها لندن والتي تنقل الرسائل والبيانات الرسمية للمجموعة للجمهور، وتهدف بشكل رئيس لخلق صورة حضارية للقراء والسياسيين الغربيين عن الجماعة الإرهابية. وتكفي نظرة سريعة على موقع الإخوان المسلمين باللغة العربية لتوضح أنه بعيد كل البعد عما يعرض في الموقع باللغة الإنجليزية للجماعة.

تظهر الاختلافات الصارخة في الرسائل الموجهة إلى الجمهور الغربي، التي تتضمن كلمات مثل الديمقراطية والحرية والعدالة، عن تلك الموجهة إلى أتباع الجماعة المتطرفين باللغة العربية والتي تركز في الغالب على الانتقام لأعضاء المجموعة الذين سقطوا والدعوة إلى العنف والقيام بأعمال شغب جديدة في مصر. وتتجلى التكتيكات التقليدية للإخوان في الظهور بمظهر الضحية بشكل صارخ في الاختلاف بين محتويات قسمي الموقع.

في عام 2019 ، لم تحظ دبلوماسية منير بقبول شباب  الجماعة الإرهابية الذين اتهموه  بإهمال أعضاء الجماعة الأصغر سناً المسجونين في مصر بعد إدانات قضائية بالإرهاب. وقال في مقابلة مع شبكة الجزيرة الإخبارية القطرية في أغسطس 2019 :"لم نضعهم في السجن ولم نجبرهم على الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين"، وقال للقناة: "أولئك الذين يريدون أن يتبرأوا من الإخوان عليهم أن يفعلوا ذلك"، مضيفاً  أنهم حصلوا على "رخصة ناصر". وكانت "رخصة ناصر" عبارة عن تصريح منحه قادة الجماعة للأعضاء المسجونين إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر ، للإعلان عن تنصلهم من جماعة الإخوان علانية. في معظم الحالات ، كان مجرد إجراء من قبل أعضاء المجموعة في ذلك الوقت لإطلاق سراحهم من السجن وإسقاط التهم الموجهة إليهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية.

أحدث بيان منير تأثيراً مضاعفاً في صفوف التنظيم، وأدى إلى بعض الانشقاقات عن قيادته ورفضها بعد أن تم تعيينه قائماً بأعمال المرشد العام في وقت لاحق من العام 2020. وعلى الرغم من جهوده في الحفاظ على التسلسل الهرمي التنظيمي للمجموعة ، إلا أن قيادة منير كانت مصدر سخرية واستياء قادة المجموعة خاصة الأعضاء الأصغر سناً الذين يعتقدون أنه يحاول حكم المجموعة من برج عاجي في لندن ولا يشارك أبداً في أنشطة المجموعة في الشرق الأوسط.

واجهات بريطانية إخوانية

تدير جماعة الإخوان المسلمين عدة مجموعات وواجهات في المملكة المتحدة. ومن أشهر الجماعات المنبثقة عنهم منظمة الإغاثة الإسلامية الخيرية التي صنفتها دولة الإمارات العربية المتحدة جماعةً إرهابيةً في عام 2014. وأُتهمت المجموعة، التي أسسها هاني البنا، بتحويل الأموال إلى أنشطة إرهابية تحت ستار الأعمال الخيرية. تتجلى مواقف البنا المتطرفة مراراً وتكراراً عندما وصف الأيزيديين المضطهدين الذين واجهوا إبادة جماعية على يد تنظيم الدولة الإسلامية بـ "عبدة الشيطان".

فضائح الإغاثة الإسلامية لم تتوقف عند هذا الحد ، حيث استقال الرئيس التنفيذي السابق الطيب عبدون بعد أن نشر تصريحات معادية للسامية على وسائل التواصل الاجتماعي ونشر دعمه للإخوان المسلمين وحتى الاستشهاد بمؤسس القاعدة أسامة بن لادن. بالمثل ، ففي يوليو (تموز) 2020 ، استقال عضو مجلس أمناء منظمة الإغاثة الإسلامية الخيرية ورئيسها حشمت خليفة بعد مواجهته بشأن منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تصف اليهود بأنهم "أحفاد القرود والخنازير" ونشر تعابير  بازدراء رئيس مصر.وفقاً لحسابات المنظمة، تلقت الاغاثة الاسلامية الخيرية   565.000 جنيه إسترليني (749.000 دولار أمريكي) في عام 2019 و 1.082.000 جنيه إسترليني في عام 2018 من (قطر الخيرية) وهي منظمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بزعيم الإخوان المسلمين والمنظّر الراديكالي يوسف القرضاوي المقيم في قطر.

وتعتبر أنشطة منير في المملكة المتحدة واسعة النطاق من خلال ما يسمى بـ "تحالف مناهضة الانقلاب" الذي يزعمون من خلاله أن ثورة 30 يونيو 2013 كانت  انقلاباً استهدف الرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي.علاوة على ذلك، ووفقاً لطريقة عمل الإخوان المسلمين لإنشاء أكبر عدد ممكن من واجهات  العمل في بلد واحد تتبع جميعها نفس القيادة والأجندة ، أنشأت جماعة الإخوان المجلس الإسلامي في بريطانيا (MCB)، وهو منظمة شاملة تشرف على أكثر من 500 مسجداً في بريطانيان ويعتبر من أقوى أدوات الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة. ومن خلاله، تمكنت المجموعة من التأثير على التيار الرئيس للمسلمين وتخصيص العقيدة الإسلامية في بريطانيا مع الترويج لأجندة المجموعة. على الرغم من إنكار كونه جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين أو ينتمي  إليها إلا أن المجلس الإسلامي في بريطانيا جزء لا يتجزأ من خطة الإخوان التوسعية في بريطانيا.

يعد المجلس الإسلامي في بريطانيا من بين أعلى منظمات الإخوان المسلمين صوتاً في المملكة المتحدة، واستشارت الحكومات البريطانية المتعاقبة هذا المجلس في الأمور المتعلقة بالمسلمين في بريطانيا. على غرار نظرائهم الأمريكيين في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) المرتبط أيضاً بجماعة الإخوان المسلمين، فقد حاولوا تقديم أنفسهم زوراً على أنهم صوت المسلمين البريطانيين. لم تستطع المجموعة إخفاء مواقفها المتطرفة خاصة في تفسيراتها لقوانين الشريعة التي تحكم الشؤون الاجتماعية مثل الزواج.

على سبيل المثال ، في عام 2008 ، استنكر المجلس الإسلامي في بريطانيا  بشدة عقد زواج إسلامي مقترح يمكّن النساء من الطلاق بشروط متساوية ويمنع الرجال من تعدد الزوجات، وهو العقد الذي قدمه المعهد الإسلامي. على الرغم من حقيقة أن الحكومة البريطانية لم تعد تعتمد على  المجلس الإسلامي في بريطانيا  كمصدر وحيد للشؤون الإسلامية ، إلا أن المجموعة تواصل محاولة اختطاف الصوت الإسلامي في بريطانيا بينما تحاول الظهور بأنها جهة معتدلة، وهي نفس المجموعة التي دافعت بشدة عن المنظر الراديكالي الإخواني يوسف القرضاوي وانتقدت الحكومات البريطانية لمنعه من زيارة المملكة المتحدة.

المجلس الإسلامي في بريطانيا   ليس وحده في هذا المجال، إذ تضم واجهات الإخوان لجنة حقو الإنسان الإسلامية (IHRC) ، والمشاركة الإسلامية والتنمية (MEND) ، واتحاد المنظمات الطلابية الإسلامية ومنظمة Cage .

علاوة على ذلك ، كانت المملكة المتحدة البلد المفضل لهاربين بارزين من جماعة الإخوان المسلمين ومنفيين مثل مؤسس حركة النهضة التونسي وزعيمها ورئيس مجلس النواب الحالي في تونس راشد الغنوشي. أمضى الغنوشي 22 سنة في المنفى ولم يعد إلى تونس إلا بعد الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في العام 2011. مُنِح المرشد العام المكلف الحالي للإخوان المسلمون حق اللجوء في المملكة المتحدة في الثمانينيات بعد مزاعمه بتلقيه تهديدات بالقتل من الأمن المصري آنذاك.

حافظ الفرع البريطاني لجماعة الإخوان المسلمين على علاقات مع نظرائه الأتراك لعقود. عزز الرئيس الإسلاموي التركي رجب طيب أردوغان العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية في جميع أنحاء العالم. وقال مستشاره السياسي ياسين أقطاي ذات مرة: "الإخوان المسلمون يمثلون القوة الناعمة لتركيا" ، وبالفعل لم تدخر الحكومة التركية أي جهد ونفقات لدعم الجماعة واستضافتها وتمويلها ، خاصةً بعد الإطاحة بها في مصر وحظرها في دول مثل الإمارات العربية المتحدة  والسعودية والبحرين. هناك أكثر من 20 ألف عضو من جماعة الإخوان المسلمين المصرية يعيشون في تركيا في الوقت الحالي ، وهو يمثل ما يقرب من ثلثي عدد المصريين الذين يعيشون في تركيا، وفقاً لتقارير.

وزار إبراهيم منير مع قادة الإخوان المسلمين مثل المرشدين العامين السابقين مهدي عاكف ومحمود عزت فضلاً عن سعد الكتاتني وكبير الممولين يوسف ندا تركيا في مارس 2011 لحضور جنازة زعيم جماعة الإخوان المسلمين التركية ورئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان. كان لأرباكان دور فعال في انتشار الجماعة في البلاد، الأمر الذي مهد الطريق لسيطرة حزب العدالة والتنمية التابع لجماعة الإخوان المسلمين على المشهد السياسي التركي لأكثر من عقدين.

في الوقت الحالي ، تظل بريطانيا هي المعقل الأكثر استقراراً لجماعة الإخوان المسلمين العالمية. قد يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والقوانين البريطانية حافزاً للمجموعة للتوسع أكثر في البلاد، خاصة أن  البلاد خالية من الإرشادات الأمنية للاتحاد الأوروبي التي اتاحت لدول مثل فرنسا والنمسا وهولندا وبلجيكا تضييق الخناق على الجماعات الإخوانية والإسلامية. اتخذت الدول الأوروبية المذكورة أعلاه إجراءات ضد الجماعة خلال العامين الماضيين بسبب استمرار الهجمات الإرهابية وارتفاع مستويات التطرف التي ساهم فيها وجود الإخوان المسلمين بشكل كبير، لكن هذا ليس هو الحال بالضبط في بريطانيا حيث تمكن الإسلامويون خاصة جماعة الإخوان المسلمين من النجاح في إخفاء حقيقتهم والظهور كنشطاء محبين للسلام ومعارضين مضطهدين يطلبون اللجوء في بريطانيا.

--------------------------------------

هاني غرابه* باحث مصري، والدراسة مترجمة عن موقع   المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية