الأزمة الاقتصادية في لبنان والحكومة الجديدة

مَنْ يراقب لبنان، عبر وسائل الإعلام، لا يخفى عليه، أن الأزمات في لبنان متشابكة، بين أزمة سياسية وأخرى نقدية واقتصادية، لتنتج عنهما أزمات اجتماعية.

الأزمة الاقتصادية في لبنان والحكومة الجديدة

فريق التحرير - السياق

بسبب عبوة حليب، نشب خلاف، بين شخصين في محل تجاري، بإحدى ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت، وانتشرت صور العراك، على وسائل التواصُل الاجتماعي.

عدد كبير من المغرِّدين والمتابعين، وصفوا الشجار بالمرآة، التي تعكس الوضع الاقتصادي اللبناني، إذ يئن لبنان اليوم، تحت وطأة أعباء اقتصادية ونقدية، بمباركة نظامه السياسي الهش...!

مَنْ يراقب لبنان، عبر وسائل الإعلام، لا يخفى عليه، أن الأزمات في لبنان متشابكة، بين أزمة سياسية وأخرى نقدية واقتصادية، لتنتج عنهما أزمات اجتماعية.

ولعل أسوأ الأزمات، التي يمر بها لبنان اليوم، انهيار العملة الوطنية، وفقدانها أكثر من 90 في المائة من قيمتها، مقابل شد وجذب من القوى السياسية لتشكيل حكومة، يتصارع على وزرائها كل من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ورئيس الجمهورية ميشال عون.

اللبنانيون... تحت رحمة قطاع مصرفي مفلس...!

أزمة مستمرة

أزمة لبنان الاقتصادية، ليست وليدة الساعة، وإنما بدأت منذ عقود، إذ تكرَّست عبر حكومات متعاقبة، وسياسات هشة، وضعت سياسة نقدية ريعية تُعطي مجالًا للخدمات، على حساب الاقتصاد المنتج، والمنتظر أن يُفلس الشعب اللبناني ومؤسساته، لأنه اقتصاد ريعي، من دون إنتاج فعلي.

تفاقُم هذه الأزمة، نجم عن الفساد ونهب المال العام والمنظَّم، لخزينة الدولة اللبنانية، إذ أشارت تقارير دولية، إلى تعرَّض خزينة الدولة لعمليات نهب، بنحو 52 مليار دولار، وذلك على مدى 30 عامًا من سيطرة الطبقات السياسية الحالية، على دوائر القرار.

واليوم كالأمس، تحاول هذه الطبقات السياسية، الحصول على عفو عام، من الجرائم المالية كافة، كما حصلت في التسعينيات على عفو، من ارتكابها لجرائم المجازر البشرية، في الحرب الأهلية اللبنانية.

في حين كانت الأسباب الخارجية، تدور حول الضغوط التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على إيران، ونتيجة سيطرة حلفائها "حزب الله – حركة أمل" على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما أدى إلى الضغط على الاقتصاد اللبناني ونظامه المصرفي، مع وقف التحويلات الخارجية، وعدم التعامُل مع القطاع المصرفي اللبناني.

تداعيات وأرقام

بعد انخفاض التصنيف الائتماني اللبناني، إلى أدنى سُلَّم التصنيف، وهي فئة التعثُّـر الانتقائي (D)، وخسارة ثقة الأسواق المالية العالمية، وتعذُّر الحصول على التمويل اللازم لسد العجز، حسب تقرير وكالة "موديز" الأميركية، فإن التوقعات تشير إلى انخفاض حجم الناتج المحلي الإجمالي من 52.5 مليار دولار عام 2019 إلى 18.7 مليار دولار عام 2020، أي بخسارة شهرية للناتج المحلي بمتوسط 2.8 مليار دولار، وتقلُّص الناتج المحلي الاسمي 25 في المائة، واحتل لبنان المرتبة الثانية عالميًّا في معدل التضخم المالي بـ 365 في المائة، بعد فنزويلا، متخطيًا زيمبابوي، حسب تقارير لصندوق النقد الدولي.

وحسب أحد هذه التقارير، من المتوقع ارتفاع العجز المالي، إلى الناتج المحلي، من 10.5 في المائة عام 2019 إلى 16.5 في المائة عام 2020، وهي من النسب المؤشرة على حالة العجز الكبير في مالية الدولة.

السلطات المالية اللبنانية، عاجزة عن تحصيل الضرائب والرسوم، وتقل قدرة الدولة على الإنفاق العام، ومنها على شبكات الأمان الاجتماعي، أو تنفيذ مشاريع إنتاجية، لتصبح في حدودها الدنيا، وتزداد الحاجة إلى التمويل والدعم الخارجي.

إضافة إلى كل ذلك، وما تمر به الدوله من حالة عجز في اقتصادها، فإن شبح البطالة مرشَّح للارتفاع، لتصل إلى 65 في المائة، مع استمرار الوضع الحالي، إذ بلغ حجم المؤسسات التي أقفلت 15 ألف مؤسسة وفقد 80 ألف شخص عملهم، ومن المتوقَّع أن يقفز معدل الفقر إلى 55 في المائة، وقد يكون أكثر من 50 في المائة، من سكان لبنان، عُرضة لخطر عدم الوصول إلى الحاجات الغذائية الأساسية.

أفكار وحلول

من الواضح، أن الدولة اللبنانية تتجه إلى الانهيار المتسارع نحو القاع، وإلى تحلُّل في بنية لبنان الاجتماعية، وتفسُّخ عقده الاجتماعي، نتيجة ترهُّل السُّلطة المركزية وفقدانها القدرات المالية، والقدرة على أداء واجباتها، في تأمين أدنى المقومات المعيشية والحياتية.

لا مناص للبنان، من الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي، رغم افتقاره إلى المواد الخام الأولية، مثل الغاز والنفط وغيرهما من المواد الأساسية، التي يمكن أن تضعه على سكة الصناعة والإنتاج المنافس، لكن لا تعوزه الطاقات الشبابية الخلاقة والمبدعة، التي تعيش على تماس مع كل ما هو جديد، في هذا العالم.

وبحسب محللين اقتصاديين، فإن أهم التحديات الاقتصادية على ما يبدو في المرحلة المقبلة، توفير الدعم المالي اللازم، لتأمين متطلبات الوضع الصحي، لاسيما توفير لقاح كورونا والأدوية والمستلزمات الطبية، والاستمرار في تأمين حاجات الغذاء الأساسية، من قمح وطحين ومنتجات غذائية، بأسعار في متناول المواطنين، فضلًا عن المحروقات لحاجات الكهرباء والنقل، وتشغيل المؤسسات والمصانع، خصوصًا بعد تخصيص نحو 5.8 مليار دولار منذ سنة، لتأمين هذه المتطلبات.

الأزمة الاقتصادية والمالية، نتاج أزمة النظام السياسي اللبناني، نظام افتقد الاستقرار السياسي ومقومات الدولة، واستمر بفعل التسويات المحلية، تحت المظلة الدولية.

ويبدو أن لبنان لن يخرج من أزمته، إلا من خلال تشكيل حكومة برضا واشنطن وشروطها، ما يوفر الدعم المالي المطلوب للخروج من الأزمة، لكن ظروفه وحيثياته لم تنضج، وإنما انتظار لحظة جلوس الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الإيرانيين على مائدة المفاوضات، وحتى تحين تلك اللحظة، يجمع الكل أوراقه، ليضعها على طاولة التفاوض، حين يأتي هذا الوقت.

وتستمر صراعات المحال التجارية، على علبة حليب وقطعة خبز، لتتغذَّى وسائل التواصُل الاجتماعي على آلالام الناس...!