لماذا تجازف روسيا في اليمن باتخاذ موقف مع الحوثيين لا يُرضي دول الخليح؟
موسكو اعتمدت في اليمن دورًا مختلفًا، عن الذي اعتمدته في سوريا وليبيا، حتى لا تضطر إلى استخدام قواتها.

ترجمات - السياق
رغم ما يبدو على الدور الروسي في اليمن، من الحياد والمسافة المتماثلة، مع الحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة، ومع إيران، الراعية للحوثيين من جهة أخرى، فإن دائرة الشرق الأوسط في مركز "المجلس الأطلسي" ترى أن موسكو، في حقيقة الأمر، تؤيد الحوثيين، في علاقة صداقة، لا تترك للكرملين مجالًا واسعًا من الحركة، في مثل هذا الملف المعقَّـد.
وفي رصده، لطبيعة الموقف الروسي الملتبس مع الحوثيين، أشار تقرير لـ"المجلس الأطلسي" إلى أن موسكو اعتمدت في اليمن دورًا مختلفًا، عن الذي اعتمدته في سوريا وليبيا، حتى لا تضطر إلى استخدام قواتها، مشيرًا إلى أن عدم استخدام قوتها العسكرية في اليمن، لا يعني أنها غير متورِّطة.
وأوضح التقرير، أن موسكو انخرطت، مع جميع الأطراف الداخلية والقوى الإقليمية الرئيسية المشاركة في الصراع باليمن، العربية منها والإيرانية.
وبالإمكان النظر إلى تعامُل موسكو مع مختلف الأطراف اليمنية، المدعومة من الرياض وأبوظبي وطهران، على أنه جزء من الجهد الروسي الأوسع، لبناء علاقات جيدة، مع السعودية والإمارات من جهة، وإيران من جهة أخرى.
أبواب مفتوحة على الجميع
ويعرض التقرير، كيف أن اليمن كانت مُمزَّقة، بسبب الصراع الداخلي، حتى قبل انتفاضة 2011، التي أسفرت عن تسليم الرئيس علي عبد الله صالح السلطة، إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، في فترة انتقالية، برعاية مجلس التعاون الخليجي، في فبراير 2012.
وسرعان ما اندلعت الحرب الأهلية، على خلفية انشقاق ميليشيات الحوثي، بمشاركة خليط متفاوت الارتباطات، كتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، وتشكيلات أخرى، تستعيد المطالبة باستقلال اليمن الجنوبي، الذي استمر من عام 1967 إلى عام 1990.
وسَعَّت روسيا، إلى حوار يمني داخلي، لإنهاء الصراع، وعرضت خدماتها كوسيط. كما استقبلت الخارجية الروسية يمنيين، من مختلف الفصائل في موسكو.
ويتحدث الروس، بشكل غير رسمي، عن نجاحهم النِّسبي، في لعب ما يسمونه "دورًا منصفًا في السعي لتحقيق السلام في اليمن"، لكن الولايات المتحدة، وكذلك دول الخليج، "تشعر بالقلق، من علاقات موسكو الودية مع الحوثيين، المدعومين من إيران" كما يقول تقرير المجلس الأطلسي.
شواهد الانحياز الروسي للحوثيين
سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وعديد من الدول، سفاراتها من صنعاء عام 2015، بعد أن استولى الحوثيون على العاصمة اليمنية، في سبتمبر/أيلول 2014. وعلى النقيض من ذلك، احتفظت روسيا بسفارتها هناك حتى ديسمبر/كانون الأول 2017.وفي أبريل/نيسان 2015، كانت روسيا العضو الوحيد في مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، الذي امتنع عن التصويت على القرار 2216، الذي فرض حظرًا على تسليح الحوثيين وحظر سفر زعيمهم.وبعد ثلاث سنوات، في فبراير/شباط 2018، استخدمت روسيا حق النقض، ضد قرار مجلس الأمن الدولي، بتمديد حظر الأسلحة، المفروض على الحوثيين، والذي ألقى باللوم على إيران في انتهاكه. كما عارضت موسكو أيضًا، تصنيف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحوثيين، منظمة إرهابية أجنبية، ودعت بدلًا من ذلك، إلى عملية سلام شاملة داخل اليمن، مثلما فعلت طهران. كما ورد أن روسيا خفَّفت من حدة انتقاداتها للحوثيين، في بيان صحفي لمجلس الأمن الدولي، في 18 مارس بشأن اليمن.
حماية روسية لإيران
رغم كل ذلك، كما يضيف التقرير، أظهرت موسكو تخفيضًا في الدعم للحوثيين، بل والاختلاف معهم في مناسبات عدة، ففي ديسمبر/كانون الأول 2017، انتقد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف المتمرِّدين، لقتلهم الرئيس السابق صالح. وبعد استخدام حق النقض، ضد قرار مجلس الأمن الدولي، الذي مدَّد حظر الأسلحة على الحوثيين وانتقاد إيران، اقترحت موسكو قرارًا آخر (قرار مجلس الأمن رقم 2402) يمدِّد حظر الأسلحة على الحوثيين، لكنه لم ينتقد إيران لتسليحهم. ووصف التقرير هذا الموقف الروسي، بأنه اهتمام بحماية إيران، أكثر منه اهتمامًا بالحوثيين.
وينقل عن الدكتور صموئيل راماني، من جامعة أكسفورد، أن "روسيا رفضت مرارًا، إقامة علاقات تجارية مع الحوثيين، وتجاهلت التماساتهم للتدخُّل الدبلوماسي لصالحهم". ففي مارس، وصف لافروف هجمات الحوثيين على منشآت النفط السعودية، بأنها "غير مقبولة" وكان ذلك في مؤتمر صحفي مشترك في الرياض، مع وزير الخارجية السعودي.
ويرصد التقرير، في تصرفات روسيا، أنها لا ترى حلًا للصراع في اليمن، إذا لم يشمل الحوثيين أيضًا. لكن بخلاف اقتراح الحوار اليمني الداخلي، لا يبدو أن لدى موسكو أي خُطة ملموسة لإنهاء الحرب الأهلية. وفي المقابل فإنها تهدف إلى إبقاء جميع الجهات الفاعلة، الداخلية والخارجية، في حالة تخمين، بشأن ما قد يفعله الكرملين بعد ذلك، وهو ما سيجعل كلًا منهم لديه حافز، لمغازلة موسكو، على أمل كسب مصلحتها. ويخلص التقرير، إلى أن ما تريده موسكو، هو البقاء على علاقة جيدة مع جميع الأطراف، الداخلية والخارجية، طالما استمر الصراع في اليمن، وأن تكون روسيا في وضع يُمكِّنها من التأثير في طريقة حله، عندما يحين الحل، الذي لا يبدو، حتى الآن، قريبًا ولا منظورًا.